وكان رسول اللّه (ص) يسير في مؤخّر القوم ليسعف الضعيف منهم، ويحمل معه من قعد به مركبه وعجز به عن حمله، وفي هذه المرّة وفي طريق العودة من ذات الرقاع التقى بجابر بن عبداللّه الأنصاري وقد تخلّف عن القوم فقال له:
ما لك يا جابر؟
قال جابر وهو يشير إلى جمله: أبطأ بي هذا.
فدنى رسول اللّه (ص) إلى الجمل، ومسح يده عليه فقوى الجمل وأخذ يواهق ناقته مواقهة، ثم قال لجابر: يا جابر أتبيعني جملك هذا؟
قال : بل أهبه لك يا رسول اللّه.
قال (ص) : لا، ولكن بعنيه.
قال : اذن فساوِمني عليه يا رسول اللّه.
قال (ص) : قد أخذته بدرهم.
قال : إذن تغبنني يا رسول اللّه.
قال (ص) : فبدرهمين.
قال جابر : لا.
فلم يزل يرفع له رسول اللّه (ص) في ثمنه حتى بلغ الأوقية. فقال (ص) : أرضيت يا جابر؟
قال جابر : نعم رضيت يا رسول اللّه فهو لك.
قال (ص) : قد أخذته ولك ظهره إلى المدينة.
ثم قال له رسول اللّه (ص): هل تزوّجت يا جابر؟
قال : نعم يا رسول اللّه (ص).
قال (ص) : ثيّباً أم بكراً؟
قال : بل ثيّباً، فابتسم رسول اللّه (ص) وقال: أفلا جارية؟
قال جابر وقد تنفّس الصعداء: يا رسول اللّه إنّ أبي اُصيب يوم اُحد وترك سبع بنات فنكحت امرأة جامعة تجمع رؤسهنّ وتقوم عليهنّ.
وهنا تأثّر رسول اللّه (ص) حتى ظهر على قسمات وجهه الشريف آثاره وقال مستحسناً عمل جابر: أحسنت وأصبت يا جابر.
ثم سأله عن دَين أبيه فأخبره. فقال (ص) له: إذا دخلت المدينة وأردت أن تجذّ نخلك وتأخذ تمرها فأخبرني.
قال جابر : فدخلت المدينة وحدثت زوجتي الحديث وما قال لي رسول اللّه(ص). فقالت مستبشرة: فدونك، سمع وطاعة.
قال : فلما أصبحت أخذت برأس الجمل حتى أنخته على باب المسجد، ثم جلست في المسجد قريباً منه، فخرج رسول اللّه (ص) إلى المسجد فرأى الجمل فقال: ما هذا؟
قالوا: يا رسول اللّه هذا جمل جابر.
قال (ص) : وأين جابر هو؟ فدُعي له، فلما مثل بين يديه قال (ص) له: ياابن أخي خذ برأس جملك فهو لك، ثم دعا بلالاً وقال له: اذهب بجابر فاعطيه اوقية.
قال جابر : فذهبت معه فأعطاني اوقية وزادني.