بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخى القارىء اعتذر عن عدم مواصلتى لحلقاتى الايام القليله الماضيه
وحلقة اليوم سأعرض فيها الادب فى العصر الاموى:
الشعر العربي هو أجمل الفنون في الادب العربي وأروعها، وأكثرها رقة وتصويرا وبلاغة وإعجازا. ويضم الأدب العربي فنونا كثيرة منها النثر والخطابة والقصص والامثال والمواعظ وسجع الكهان وكتابة التاريخ والجغرافيا وغيرها.
ولقد ظل الشعر العربي مسيطرا على عقول الناس وقلوبهم من أوائل العصر الجاهلي وحتى هذه الايام، إذ ان قصيدة شعرية –قديمة كانت أم عصرية- يمكنها ان تهز مشاعر المستمعين وان تلهب افئدة جمهور الحاضرين والغائبين من الرجال والنساء والشيوخ والبنين.. وسيكون موضوع هذه المقال – الشعر زمن الدولة الأموية العربية الإسلامية .
الشعر في العصر الأموي
عاشت الدولة الأموية مدة 91 سنة وكان ابرز خلفائها الصحابي معاوية بن ابي سفيان وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك رحمهم الله .
لقد شجع خلفاء بني امية الادب والأدباء والشعر والشعراء فنبغ في زمانهم كل من جرير والفرزدق والأخطل .. وهم شعراء المدائح والهجاء والنقائض والتي طبقت شهرتها الآفاق فطافت بها الركبان شرقا وغربا من تلك الايام وحتى هذه الازمان. كما ا شتهر في زمن بني امية شعراء الغزل العذري وغير العذري من أمثال جميل بثينة وعمر بن ابي ربيعة وقيس بن الملوح (مجنون ليلى) وصاحب القصة المشهورة . كما اشتهر في العصر الاموي كثير من شعراء الخوارج كعمران بن حطان وقطري بن الفجاءة وكذلك بعض الشعراء الشيعة الذين قاموا يدافعون عن آل البيت ، وعن أهل وسلالة الخليفة الراشدي الرابع الامام علي بن ابي طالب رضى الله عنه .
فنون الشعر الأموي
من فنون الشعر العرب المعروفة المديح والهجاء والرثاء والغزل والأمثال والحكم والوصف، والشعر السياسي والنقائض وغيرها. يقول قيس بن الملوح متغزلا:
بالله يا ظبيات البان قلن لنا
ليلاتي منكن ام ليلى من البشر
ما جاءني ذكرها إلا وعذبني
طول الحنين وجاءت كثرة العبر
ويقول قيس عندما سمع ان ليلى قد رحلت الى بلاد العراق وهي مريضة :
يقولون ليلى في العراق مريضة
ويا ليتني كنت الطبيب المداويا
أنادي فلم تسمع ندائي وأغلقت
مصاريع من دوني تصم المناديا
لقد تغيرت حياة العرب في العصر الإسلامي وكثرت الفتوحات فاختلطوا بشعوب كثيرة مثل الفرس والروم، فنتج عن ذلك حضارة جديدة تظللها راية العروبة والإسلام.
جرير والفرزدق:
الاسم الكامل لجرير هو: أبو حزرة جرير بن عطية الخطفي، والاسم الكامل للفرزدق هو همام بن غالب بن صعصعة، وقد اشتهرا بالهجاء والنقائض، حيث يقول أحدهما قصيدة معينة، فيرد عليه الآخر بقصيدة على نفس الوزن والقافية مثال لذلك
كان جرير والفرزدق مسافرين من العراق الى دمشق الشام لزيارة الخليفة المشهور عبد الملك بن مروان.. أثناء الطريق نظرت ناقة الفرزدق وتلفتت الى جرير فقال الفرزدق مخاطبا ناقته غاضبا
لمن تتلفتين وأنت تحتي
وخير الناس كلهم أمامي
متى تصلي دمشق ستستريحي
من التهجير والدبر الدوامي
فأجابه جرير في الحال
تلفت انها تحت ابن قين
حليف الكير والفأس الكهام
متى تصلن دمشق ستخزفيها
كخزيك في الرصافة كل عام
موكان جرير بارعا في شؤون الهجاء، فكان الناس يتجنبونه خوفا من شعره، وفي أحد الأبيات استعمل جرير كلمة (الحمار) خمس مرات لهجاء الفرزدق ولنقرا معا ما يقول:
يا ابن الحمارة والحمار وإنما
تلك الحمارة والحمار حمارا
والجميع يعرف قصة جرير وهجائه للراعي النميري فقد قام الشاعر النميري في أحد المجالس وفضل الفرزدق على جرير بقوله
يا صاحبي دنا المسير فسيرا
غلب الفرزدق في الهجاء جريرا
فغضب جرير وأنشد البائية المشهورية والتي يهجو فيها الشاعر النميري
إذا غضب عليك بنو تميم
حسبت الناس كلهم غضابا
فغض الطرف إنك من نمير
فلا كعبا بلغت ولا كلابا
أمة من الشعراء
استعمل الأمويون الشعر والشعراء للدعاية لأنفسهم كما تستعمل حكومات اليوم أجهزة الإذاعة والتلفزيون للدعاية للقائد الأوحد الملهم والمنقذ الأعظم والامجد. فكثر الشعراء واستعملوا اشعارهم للمديح والهجاء والرثاء والغزل فبرعوا كما يبرع شعراء أي عصر إسلامي آخر في هذه المجالات الأدبية.
تزوج معاوية من فتاة بدوية هي ميسون الكلبية ام ابنه يزيد، فلم تعجبها حياة المدن واشتاقت الى حياة البادية والخيام والكلاب فأنشدت:
لبيت تخفق الارياح فيه
أحب إلي من قصر منيف
ولبس عباءة وتقر عيني
وكلب ينبح الطراق دوني
أحب إلى من قط أليف
استيقظت النعرات الإقليمية والعصبيات القبلية زمن الأمويين فراح الشعراء يفتخرون بقبائلهم واصولهم وشرفها يقول الفرزدق مفتخرا بقبيلته:
إن الذي سمك السماء بنى لنا
بيتا دعائمه أعز وأطول
حلل الملوك لباسنا في أهلنا
والسابغات الى الوغى نتسربل
أحلامنا تزن الجبال رزانة
وتخالنا جنا إذا ما نجهل
فادفع بكفك ان أردت بناءنا
ثهلان ذي الهضبات هل يتحلحل
الغزل :كثر الغزل وانتشر في العصر الاموي ولنستمع مرة أخرى الى مجنون ليلى صاحب القصة المشهورة
متى يا كرام الحي عيني تراكم
واسمع من تلك الديار نداكم
امر على الأبواب من غير حاجة
لعلي اراكم أو أرى من يراكم
سقاني الهوى كأسا من الحب صافيا
فياليته لما سقاني سقاكم
ولنستمع الى الشاعر جميل بثينة يتغنى بأبيات من شعره العذري
ألا ليت أيام الصفاء جديد
ودهرا تولى يا بثين يعود
فنغنى كما كنا نكون وانتم
قريب وإذ ما تبذلين زهيد
يقولون جاهد يا جميل بغزوة
واي جهاد غيرهن اريد
لكل حديث بينهن بشاشة
وكل قتيل بينهن شهيد
الحجاج كان شاعرا
اشتهر الحجاج بن يوسف الثقفي كواحد من أشهر الولاة على العراق في العصر الأموي وقد أحضر له رجال الشرطة في إحدى الليالي ثلاثة شباب من السكارى ، فنظر الحجاج الى هؤلاء الشباب فوجدهم يختلفون عمن سبقهم من العصاة والسكارى، إذ أنهم كانوا ذوي لباس أنيق حسن وتبدو عليهم أثار العز والكرم والأصل الطيب والنعمة والأدب.
فقال الحجاج للشاب السكران الأول : من أنت؟ وابن من أنت؟ فقال هذا الشاب:
أنا ابن من دانت الرقاب له
ما بين مخزومها وهاشمها
تأتيه بالرغم وهي صاغرة
ياخذ من مالها ومن دمها
فقال الحجاج للشرطة : أتركوه حتى الصباح فلربما ان يكون أحد أقارب الخليفة.
وقال الحجاج للسكران الثاني:من انت ؟ ومن أبوك، فأجاب:
أنا ابن الذي لا تنزل النار قدره
وان نزلت يوما فسوف تعود
ترى الناس أفواجا الى ضوء ناره
فمنهم وقوف حولها وقعود
فقال الحجاج لرجال الحرس، أتركوه حتى الصباح فلربما يكون من اقارب حاتم الطائي أشهر كرماء العرب الاقدمين. ثم نادى الحجاج على السكران الثالث وسأله نفس السؤال : من أنت ومن أبوك؟ فاجاب:
أنا ابن الذي خاض الصفوف بسيفه
وعالجها بالحزم حتى استحلت
يروح ويغدو ناشرا لعجاجها
وان ما بدا خلف الصفوف تولت
فقال الحجاج للشرطة: اتركوه هؤلاء الثلاثة ، ثم أحضروهم لي في الصباح لنرى ما في أمرهم. وفي الصباح صحا السكارى وعاد إليهم رشدهم، ولما مثلوا أمام الحجاج قال للأول فسر يا أيها القائل أنا ابن من انت الرقاب له. من أنت؟ .. فقال ان أبي حلاق. فعلا الحلاق يأخذ من مال الناس ومن دمهم. أما السكران الثاني فقال : ان أبي صاحب مطبخ ومطعم، وفعلا الناس حوله قيام وقعود. أما الثالث فقال (أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه) فإن ابي صاحب محل للغزل والنسيج، يرتب خيوط القطن ويصففها وينظمها.
بعد ان استمع الحجاج الى قصتهم ونسبهم، ضحك ضحكة عالية وعرف ان هؤلاء الشباب قد أنقذهم أدبهم من القتل، فنظر الى الحراس وقال لهم :
كن ابن من شئت واكتسب أدبا
يغنيك محموده عن النسب
ان الفتى من يقول ها أنا ذا
ليس الفتى من يقول كان ابي
الفرزدق وجرير –مرة ثانية
يعتبر شعر الفرزدق وجرير ذخر اللغة العربية ، وقد قال بعض النقاد: إذا كان الفرزدق ينحت من صخرفإن جريرا يغرف من بحر، كما قالوا : لولا الفرزدق لضاع ثلث اللغة العربية.
في إحدى رحلاته الى الصحراء نزل الفرزدق ليستريح فأوقد نارا لشواء عشائه. وهنا اقبل احد الذئاب الى مكان الفرزدق ولننظر ماذا قال الشاعر:
وأطلس عسال وما كان صاحبا
دعوت بناري موهنا فأتاني
فبت أسوي الزاد بيني وبينه
على ضوء نار مرة ودخان
وقلت له لما تكشر ضاحكا
وقائم سيفي من يدي بمكان
تعش فإن عاهدتني لا تخونني
نكن مثل من يا ذب يصطحبان
ويكفي جرير فخرا أنه صاحب اكثر بيت هجاء قالته العرب، وهو في هجاء الراعي النميري الذي ذكرناه سابقا، وكذلك فهو قائل امدح بيت قالته العرب ، وهو في مدح الخليفة عبد الملك بن مروان :
ألستم خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راح
من شعراء الخوارج
كان الشاعر قطري بن الفجاءة من فرسان العرب وشعراء الخوارج المشهورين بالشجاعة والكرم، وقد أنشد مشجعا نفسه في ساحة المعركة:
أقول لها وقد طارت شعاعا
من الأبطال ويحك لن تراعي
فانك لو طلبت بقاء يوم
من الأجل الذي لك لن تطاعي
فصبرا في مجال الموت صبرا
فما نيل المنون بمستطاع
وما للمرء خير في حياة
إذا ما عد من سقط المتاع
اما الشاعر عبد الله بن الدمينة فقد هاجته رياح نجد القادمة من ديار أحبائه فقال:
الا يا صبا نجد متى هجت من نجد
لقد زادني مسراك وجدا على وجد
لئنْ هَتَفَتْ وَرْقَاءُ في رَوْنَقِ الضُّحى
على فنن غض الغصون من الرند
بكيت كما يبكي الوليد صبابة
هتوفا وابديت الذي لم تكن تبدي
عبد الرحمن الداخل
هو مؤسس الدولة الاموية في الأندلس وهو الملقب بصقر قريس، وقد كان شاعرا رقيقا، رأى مرة جموع الحجيج وهم يهمون الى التوجه الى الحجاز لزيارة قبر الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم فأنشد:
ايها النازح الميمم ارضى
اقرا من بعضي السلام لبغضي
ان جسمي كما علمت بأرض
وفؤادي وساكنوه بأرض
قد قضى الله بالفراق علينا
فعسى باجتماعنا سوف يقضي
الخاتمة:
ضعفت الدولة الاموية في اواخر ايامها واحاط بها الاعداء من الداخل والخارج، ولم تلبث ان سقطت تحت ضربات الجيوش العباسية ،و كان ذلك سنة 132هـ/750م
مر أحد الشعراء على بعض المتآمرين على الدولة الاموية، فوجدهم يؤلبون الناس ضد الأمويين ويخلطون الحق بالباطل ضد العرب والعروبة والاسلام
فأنشد :
قل للعروبة والعربان ان لهم
ان يغضبوا قبل ان لا ينفع الغضب
اني مررت بكذابين دينهم
دين الرياء ودين الشك والريب
فإن تكن سائلا عن اصل دينهم
فإن دينهم أن يقتل العرب
ويبدو ان هذا الكلام ينطبق على عرب العصر الحاضر