46- اصطناع المرونة في التربية : فإذا اشتدت الأم على الولد لان الأب، وإذا عنف الأب لانت الأم؛ فقد يقع الوالد- على سبيل المثال- في خطأ فيؤنبه والده تأنيباً يجعله يتوارى؛ خوفاً من العقاب الصارم، فتأتي الأم، وتطيب خاطره، وتوضح له خطأه برفق، عندئذ يشعر الولد بأنهما على صواب، فيقبل من الأب تأنبيه، ويحفظ للأم معروفها، والنتيجة أنه سيتجنب الخطأ مرة أخرى.
47- التربية بالعقوبة : فالأصل في تربيه الأولاد لزوم الرفق واللين إلا أن العقوبة قد يحتاج إليها المربي، بشرط ألا تكون ناشئة عن سورة جهل، أو ثورة غضب، وألا يلجأ إليها إلا في أضيق الحدود، وألا يؤدب الولد على خطأ ارتكبه للمرة الأولى، وألا يؤدبه على خطأ أحدث له ألماً، وألا يكون أمام الآخرين.
ومن أنواع العقوبة- العقاب النفسي، كقطع المديح، أو إشعار الولد بعدم الرضا، أو توبيخه أو غير ذلك.
ومنها العقاب البدني الذي يؤلمه ولا يضره.
48- إعطاء الأولاد فرصة للتصحيح : فمما ينبغي للوالد مراعاته في التربية- أن يعطي أولاده فرصة للتصحيح إذا أخطأوا، حتى ينهضوا للأمثل، ويرتقوا للأفضل، ويتخذوا من الخطأ سبيلاً للصواب؛ فالصغير يسهل قياده، ويهون انقياده كما قال زهير بن أبي سلمى :
وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده *** وإن الفتى بعد السفاهة يحلم
وكما قيل :
إن الغلام مطيع من يؤدبه *** ولا يطيعك ذو سن لتأديب
فلا ينبغي للوالد أن يأخذ موقفا واحدا من أحد أولاده، فيجعله ذريعة لوصمه وعيبه، كأن يسرق مرة فيناديه باسم السارق دائما، دون أن يعطيه فرصة للتصحيح وهكذا...
49- الحرص على أن يكون التفاهم قائما بين الوالدين : فعلى الوالدين أن يحرصا كل الحرص عليه، وأن يسلكا كافة السبل الموصلة إليه، وعليهما أن يجتنبا الوسائل المفضية للشقاق، ويبتعدا عن عتاب بعضهما لبعض أمام الأولاد؛ حتى يتوفر الهدوء في البيت، وتسود الألفة فيه، فيجد الأولاد فيه الراحة والسكن، والأنس والسرور، فيتعلقوا بالبيت أكثر من الشارع.
50- تقوى الله في حالة الطلاق : فإذا لم يحصل بين الوالدين وفاق، وقدر الله بينهما الطلاق- فعليهما بتقوى الله، وألا يجعلا الأولاد ضحية لعنادهما وشقاقهما، وألا يغري كل واحد منهما بالآخر، بل عليهما أن يعينا الأبناء على كل خير، ويوصي كل واحد منهما الأولاد ببر الآخر، بدلا من التحريش، وإيغار الصدور، وتبادل التهم، وتأليب الأولاد، وإلا فإن النتيجة الحتمية- في الغالب- أن الأولاد يتمردون على الجميع، والوالدان هما السبب في ذلك؛ فلا يلوما إلا أنفسهما، كما قال أبو ذؤيب الهذلي :
فلا تقضبن من سيرة أنت سرتها *** وأول راض سنة من يسيرها
51- العناية باختيار المدارس المناسبة للأولاد، والحرص على متابعتهم في المدارس : فعلى الوالد أن يحرص كل الحرص على اختيار المدارس المناسبة لأولاده من حيث طلابها، وإدارتها، ومدرسوها، ومناهجها، والتي تعنى باستقامة طلابها، وتهتم بأخلاقهم، وشمائلهم، قولا وعملا؛ لأن الأغلب أن الولد إنما يختار أصدقاءه من المدرسة من أبناء صفه الذين يشاكلونه في المزاج والطبيعة.
وعلى الوالد أن يقوم بمتابعة الأولاد في المدارس باستمرار، حتى يتأكد بنفسه من صلاح الولد واستقامته، ولئلا يفاجأ في يوم من الأيام بأن ولده على خلاف ما كان يتوقعه ويؤمله، ولأجل أن يدرك الولد بأن والده وراءه يسأل عنه ويتابعه.
52- إقامة الحلقات العلمية داخل البيوت : بحيث تعقد تلك الحلقات في مواعيد محددة، ويقرأ فيها بعض الكتب الملائمة للأولاد، فيتعلمون بذلك القراءة، وحسن الاستماع، وأدب الحوار.
53- إقامة المسابقات الثقافية بين الأولاد، ووضع الجوائز والحوافز لها : فذلك العمل مما يشحذ هممهم، ويحرك أذهانهم، ويدربهم على البحث والنظر في كتب أهل العلم، ويعدهم للرقي في مستوياتهم.
54- تكوين مكتبة منزلية ميسرة : تحتوي على كتب وأشرطة ملائمة لسنهم ومداركهم، فالمكتبة من أعظم روافد الثقافة.
55- اصطحاب الأولاد لمجالس الذكر : كالمحاضرات، والندوات التي تعقد في المساجد وغيرها؛ فهي مما يثري الولد بالمعلومات، ويمده بالخير، ويعده لمواجهة الحياة، ويجيب على أسئلته التي تتردد في ذهنه.
كما أنها تغذيه بالإيمان، وتربط على قلبه، وتربيه على أدب الاستماع.
56- الرحلة مع الأولاد : إما إلى مكة المكرمة، أو المدينة النبوية، أو غيرها من الأماكن المباحة، حتى يتعرف الوالد على الأولاد أكثر وأكثر، ولأجل أن يجمهم، ويشرح صدورهم، ويكسبهم خبرات جديدة، إلى غير ذلك من فوائد السفر التي لا تخفى.
57- ربطهم بالسلف الصالح في الإقتداء والاهتداء : حتى يسيروا على خطاهم، ويترسموا منهجهم، ولكي يجدوا فيهم القدوة الصالحة التي يجدر بهم أن يقتدوا بها، فإن كان لدى الولد ميول إلى العلم وجد من يقتدي به، وإن كان شجاعا مقداما وجد من يترسم خطاه، وإن كان كسولا وجد في سيرة السلف ما يبعث فيه الروح، وعلو الهمة، وهكذا.
فسير السلف الصالح حافلة بكل خير، فما أروع أن يرتبط المسلم بهم، وأن يحذو حذوهم، بدلا من الإقتداء بالهابطين والهازلين من اللاعبين، والمطربين، والمنحرفين، وغيرهم.
58- العناية بتعليم البنات ما يحتجن إليه من أمور دينهن ودنياهن : فكم من الناس من فرط في هذا الحق، وكم من النساء من يجهلن- على سبيل المثال- أحكام الحيض والنفاس ومسائل الدماء عموما، بالرغم من أنه يتعلق بها ركنان من أركان الإسلام وهما الصلاة، والصيام، بل والحج، وكم من النساء من تجهل إقامة الصلاة على الوجه المطلوب. فينبغي أن يعنى كل والد بتعليم بناته أمور دينهن، كما ينبغي أن يعلمن أمور حياتهن الخاصة من كي، وغسيل، وطبخ، وخياطة، وتدبير للمنزل، وغير ذلك.
وبذلك يكن على أتم استعداد لاستقبال الحياة الزوجية.
59- منع البنات من الخروج وحدهن : سواء للسوق، أو للطبيب، أو غير ذلك، بل لا بد من وجود المحرم معهن، وألا يخرجن إلا للحاجة الملحة.
60- منع البنات من التشبه بالرجال، ومنع البنين من التشبه بالنساء.
61- منع الأولاد بنين وبنات من التشبه بالكفار.
62- منع البنين من الاختلاط بالنساء، ومنع البنات من الاختلاط بالرجال : بل ينبغي أن يعيش الابن في محيط الذكور، والبنت في محيط الإناث، خصوصا إذا بدأ الابن أو البنت بالتمييز.
63- العناية بصحة الأولاد : فكم من الناس من قد فرط بهذا الأمر، ولم يرعه حق رعايته؛ فالأولاد أمانة، ومن الأمانة أن يعتني الوالد بصحتهم، خصوصاً وهم صغار؛ لأن كثيراً من العاهات والأمراض تبدأ مع الأولاد وهم صغار، فإذا أهمل علاجها لازمت الأولاد طيلة أعمارهم، وربما قضت عليهم.
ومما يحسن بالوالدين في هذا الصدد أن يقوموا على شؤون الأولاد إذا أصيبوا بعاهات مزمنة، أو إذا ولدوا وهم معاقون، أو مصابون ببعض التشوهات الخلقية، أو ما شاكل ذلك؛ فحري بالوالدين أن يقوموا على رعاية الأولاد، وأن يحسنوا تربيتهم، وأن يشعروهم بمكانتهم، كما يحسن بالوالدين أن يحتسبوا الأجر عند الله، وأن يحذروا كل الحذر من التسخط والاعتراض على قضاء الله.
بل عليهم أن يحمدوا الله على ما آتاهم، وأن يتحروا الخيرة فيما قضاه الله، فربما كانت الخيرة خفية، وربما أن الله يرحم الأسرة جميعها، ويدر عليها الأرزاق، ويدفع عنها صنوف البلايا بسبب هؤلاء المساكين.
64- عدم استعجال النتائج في التربية : فعلى الوالد إذا بذل مستطاعه لولده، وبين له وحذره ونصح له واستنفذ كل طاقته- ألا يستعجل النتائج، بل عليه أن يصبر، ويصابر، ويستمر في دعائه لولده وحرصه عليه؛ فلربما استجاب الولد بعد حين، وادكر بعد أمة.
65- الحذر من اليأس : فإذا ما رأى الوالد من أولاده إعراضا أو نفورا أو تماديا- فعليه ألا ييأس من صلاحهم واستقامتهم؛ فاليأس من روح الله ليس من صفات المؤمنين، بل عليه أن ينتظر الفرج من الله- عز وجل- فلعل نفحة من نفحات الرحيم الكريم ترد الولد إلى رشده، وتقصره عن غيه.
66- اليقين بأن التربية الصالحة لا تذهب سدى : فلو لم يأب الإنسان من نصحه لأولاده وحرصه على هدايتهم وصلاحهم- إلا أن يكون أعذر إلى الله بذلك.
فالنصح ثمرته مضمونة بكل حال؛ فإما أن يستقيم الأولاد في الحال، وإما أن يفكروا في ذلك، وإما أن يقصروا بسببه عن التمادي في الباطل، أو أن يعذر الإنسان إلى الله- كما مر-.
بل كثيراً ما يصلح الأولاد بعد وفاة والدهم الذي رباهم على الفضائل؛ حيث لم يدكروا إلا بعد أمة.
67- إعانة الأولاد على البر : فبر الوالدين وإن كان واجبا على الأبناء- إلا أنه يجدر بالآباء أن يعينوا أبناءهم على البر، وأن يشجعوهم، وألا يقفوا حجر عثرة أمامهم.
68- حفظ الجميل للأبناء : فمما يحسن بالوالدين أن يحفظوا الجميل للأبناء، وأن يشكروهم عليه، ويذكروهم به؛ حتى ينبعث الأولاد للبر والإحسان، ويستمروا عليه.
69- التغاضي عن بعض الحقوق : فيحسن بالوالدين أن يتغاضوا عن بعض حقوقهم، وألا يطالبوا أولادهم بكل شيء، بل يحسن بهم أن يوفروا لهم ما يعدهم للكمال، والعلم، وسائر الفضائل خصوصاً إذا كان الوالد في نشاطه، والأولاد في حال إقبال على العلم، والقرآن، وسائر الفضائل، وهم في مقتبل أعمارهم. فإذا أخذ الوالدان بهذه السيرة كان الأولاد على مقربة من الكمال، والفضل، والعلم، والصلاح.
ولا ريب أن الوالد في هذه الحالة سيجني تلك الثمار في حياته وبعد مماته.
70- استشارة من لديه خبرة بالتربية : من العلماء، والدعاة، والمعلمين، والمربين، ممن لديهم خبرة في التربية، وسبر لأحوال الشباب، وتفهم لأوضاعهم، وما يحيط بهم، وما يدور في أذهانهم، فحبذا استشارتهم، والاستنارة برأيهم في هذا الصدد، فهذا الأمر يعين على تربية الأولاد.
71- قراءة الكتب المفيدة في التربية : فهي مما يعين على تربية الأولاد؛ لأنها ناتجة عن تجربة، وممارسة، وخبرة، وعصارة فكر، ونتاج تمحيص وبحث.
ومن تلك التي يجدر بالمسلم اقتناؤها والإفادة منها ما يلي :
أ- العيال لابن أبي الدنيا.
ب- تحفة المودود في أحكام المولود لابن القيم.
ج- المسؤولية في الإسلام د. عبد الله قادري.
د- أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع د. عبد الله قادري.
ح- تذكير العباد بحقوق الأولاد للشيخ عبد الله الجار الله.
ط- الأولاد وتربيتهم في الإسلام لمحمد المقبل.
ك- نظرات في الأسرة المسلمة للدكتور محمد بن لطفي الصباغ.
ي- تربية الأولاد في الإسلام للشيخ عبد الله ناصح علوان.
72- استحضار فضائل التربية في الدنيا والآخرة : فهذا مما يعين الوالد على الصبر والتحمل، فإذا صلح الأولاد كانوا قرة عين له في الدنيا، وسببا لإيصال الأجر له بعد موته، ولو لم يأته من ذلك إلا أن يكفى شرهم، ويسلم من تبعتهم.
73- استحضار عواقب الإهمال والتفريط في تربية الأولاد : فالأولاد أولاده، ولن ينفك عنهم بحال من الأحوال، والعرب تقول : "أنفك منك وإن ذن"، وتقول : "عيصك منك وإن كان أشبا". فإذا أهملهم وقصر في تربيتهم كانوا شجى في حلقه في هذه الدنيا، وكانوا سببا لتعرضه للعقاب في العقبى.
74- وخلاصة القول في تربية الأولاد : أن يسعى الوالد في جلب ما ينفعهم، ودفع ما يضرهم عاجلاً وآجلاً.